معلوم أن الإسلام بشتى أنواع علومه يعتمد على الوحي كمصدر أساسي، وهذا الاخير لا ينفي استخدام العقل للتأمل أو التفكر فيه، لذلك فإن العقل بقدراته الإبداعية والتفكر والتدبر في ملكوت الخالق أداة لفهم قوانين الكون ونواميسه، فالإنتاج الفكري السليم لدى الإنسان يحيطنا بما لم نحيط به علما لفهم الشريعة الإسلامية وأسرار الكون المستنبطة من العقيدة، قال الله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} صدق الله العظيم.. سورة ف اطر. للإشارة إنما في اللغة العربية تعرب بأداة حصر، كما فسر بعض المفسرين والعلماء هذه الآية الكريمة التي لها دلالة عميقة في نفوس العلماء أصحاب العقول الراقية بأن المقصود بهذه الآية علماء الكون الذين يقومون بدراسة العلوم الدنيوية المادية لأن هذه الآية ذكرت في السياق بعد ذكر الله للنبات والدواب والجبال هذه الأمور لها علاقة بالشؤون الدنيوية والدينية، وما جاءت به الشرائع السماوية للأنبياء والرسل من وحي وقيم إنسانية وعبادات وتعاليم للحياة المتعلقة بالشريعة والدين، لا يعني بتاتا تقييد حرية العقل من التفكر والتفكير والتدبر أو الحد من إبداعاته في مجال العلم والمعارف، إذن فالعلم يمنحنا طاقة لفهم أسرار الكون عن طريق قوانينه وسننه. قال الله عزوجل{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} سورة المجادلة. إن الله جلت قدرته يرفع الإنسان درجات بالعلم، فالعلم موضع البحث والتعامل العقلي والتفاعل مع الطبيعة والكون،مع استعمال الحواس المساعدة لفك هذه الرموز الموجودة في الكون والطبيعة. وها نحن نرى حاليا في البيئة الاسلامية جمود وركوض العقل نتيجة ما أصاب عقل المسلم من كسل وخمول وعاق الحواس عن الاستعمال الجيد لفقه العقيدة (الأصول) وفهم الكون و قوانينه. إذن يجب إعادة النظر في مراجعة الأمور العقائدية والاستقاظ من الركوض والجمود والانفتاح على العلوم والتدبر في معاني الآيات الكريمة التي تحث الإنسان على البحث العلمي والتفكر في الموجودات و ملكوت السماوات والأرض. مع معالجة القضايا الفكرية والإجتماعية، الثقافية، والعلمية، بدل الإعتماد على معطيات وتصور علمي أجنبي لا صلة له بالبيئة الإسلامية. فالتبعية إذن خضوع العقل وتقييد حريته وفكره بفكر الآخر، وهذا الخضوع سبباً رئيسياً في تخلف حضارتنا الإسلامية. القرآن الكريم استعمل كلمة العلم مع الإيمان وجعلهما معا للسعي عن الحكمة والمعرفة والسبيل إلى فهم الأمور الدنيوية والدينية. لقوله تعالى {وقال الذين اتوا العلم والإيمان لقد لبثم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} سورة الروم. بالحجة والبرهان أن الله سبحانه وتعالى للتذكير استعمل كلمة العلم في القرآن بمعنى الدين، في سورة البقرة قال الله عز وجل ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} صدق الله العظيم. هنا يقصد بالعلم الحجة والبرهان والدلائل القطعية. رجوعا للموضوع العلم ضرورة منطقية لاستعماله في الدين، وإذا وجدنا تناقضا بين الدين والعلم هذا التناقض ناتج عن ايديوجية معينة أو مذهب من المذاهب الدينية المزيفة فإذا كان العلم يوصلك للحقائق الربانية والدينية والدنيوية فإن الدين يحقق لك توازنا روحياً في حياتك اليومية ولا تطمئن القلوب إلا بالدين السليم الخالي من الشبهات والترهات و الادعاءات الفارغة. خلاصة القول إن مسألة العلم في القضايا الإسلامية لا تعني بتاتا تعارضا بين العقل والدين، بمعنى آخر بين استعمال العقل والوحي الإلهي، على غرار عدم فهم بعض الأيديولوجيات المزيفة للدين، فهذه الثنائية ليست متعارضة بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب، وبالتالي فإن الإسلام لا تناقض فيه إلا تناقض العقول التي لا تنفتح عن الدين، ومن ثم فليس عندنا صراع بين العلم والدين بين الفكر والعقيدة، وتاريخ الإسلام والمسلمين يشهد بأن الحضارة الإسلامية لم تعرف هذا التناقض وهذا النوع من الانفصام والإنفصال بين العلم والدين، فكم من عالم في الشريعة يتقن العلوم الرياضية والفيزياء وغيرهم من العلوم، ومن كبار علماء الطب. ومن عمالقة الفكر والفلسفة بحجة التاريخ كأمثال الغزالي وابن رشد وابن سينا والفاربي الخ... وهذه الحقيقة لا يخفيها بعض المفكرين الغربيين، كل علماء الدين المسلمين كانوا أطباء وعلماء وفلاسفة وإن كنت أختلف في هذه المسألة في التأويل مع رجال الدين والفقه والحديث. الباحث عزيز الصغيار