حاول ابن رشد التوفيق بين الدين والفلسفة في كتابه فصل المقال وبين فيه الاتصال مابين الشريعة والحكمة، كما حاول
بعض فلاسفة الفكر الإسلامي التوفيق بينهم، وكانت هذه هي الوضعية المشكلة آنذاك
موضوعاً للبحث في الفلسفة الإسلامية، وهذه القضية شغلت أذهانهم، إذن السؤال
المطروح ما موقف ابن رشد من هذه المسألة؟
ابن رشد من الفلاسفة الذين عارضوا الإمام الغزالي وتحديداً في عمله تهافت التهافت الذي جاء بعد كتاب أبو حامد الغزالي تهافت الفلاسفة الذي وضح فيه سقوط الفلاسفة في عشرين مسألة، حيث قام بتكفيرهم في بعض المسائل
منها، قدم العالم، في صفات الميعاد، وفي علم الله الكلي دون الجزئي
.إذن عارض فكر أبو حامد الغزالي وكان خصماً له، من وجهة نظره كان رده على الغزالي بمثابة إعادة الاعتبار للعقل
عن طريق استعمال النظر العقلي للموجودات، ومن الأوائل الفلاسفة المسلمين الذين
استعملوا العقل قبل النقل، فابن رشد حاول التوفيق في عمله فصل المقال بين الحكمة والشريعة ، بين الفلسفة والدين، وهو الموضوع الذي نحن بصدد
تحليله الآن، ابن رشد يؤكد مسألة العقل كما أن الشريعة تؤكد أيضاً على هذه المسألة نفسها، لأن بالعقل
ينظر في الموجودات ومن خلال النظر إليها نعرف صنعة الخالق سبحانه، كما أن هذه
المعرفة ضرورية في الشريعة لأن الشريعة تحث الإنسان على استعمال العقل واعتبار الموجودات بالعقل، قال الله تعالى {أو
لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون اقترب
أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون} سورة الأعراف.
إذن الشريعة تحث على استعمال العقل والنظر في الموجودات، وما حدث
بين الحكمة والشريعة قال عنه ابن رشد أنهم إخوان من الرضاعة والحكمة هي صاحبة الشريعة وإن كان
الاختلاف بينهما من حيث المصادر والمبادئ. مع العلم أن هناك مصادر مختلفة بينهما
فطريق المعرفة بالدين تكون عن طريق الوحي الإلهي على غرار طريق المعرفة
بالفلسفة تكون بالعقل والحدس.
المسالة الأولى مبدأها مختلف بتاتاً عن المسألة
الثانية فمبدأ الشريعة قائم على الوحي بمعناه الوحي فوق العقل والمبدأ الفلسفي الثاني قائم على أساس العقل،
بمعناه أن سلطان العقل فوق كل سلطان، ويقصد بالسلطان الحجة والبرهان والعلم،
فحينما نستعمل التمييز بين الأشياء فالعقل دائما ما يعطينا الصواب من الخطأ
إذن يعطينا إشارة حمراء أو ما غير ذلك من الإشارات وإذا ورد الخطأ مثلا
فالخطأ هنا يكون مصدر من المصادر الأخرى، فإن العقل لا يكذب في الدائرة التي يعمل
فيها، لأنه يوصلك لليقين، إذن فالدين والعقل لا تناقض بينهما إلا تناقض العقول
المتجمدة.
استعمل ابن رشد التأويل
في كتابه فصل
المقال حيث خاطب فيه رجال الدين والعامة، كما فسر بعض الكلمات في الآيات القرآنية الكريمة كالراسخون في العلم.
لقوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من
عند ربنا وما يذكر إلى أولو الألباب} صدق الله العظيم. سورة آل عمران.
فسر هذه
المسألة ابن رشد وقال الراسخون في العلم هم الذين يفقهون كلام الله هم والله فقط.
وإن اختلف في التأويل مع بعض الفقهاء والفلاسفة، فكان سلاح ابن الرشد التأويل في
مخاطبته لرجال الدين والعامة، كان يستعمل الأسلوب المجازي ويفسر النص القرآني من
باطنه، لأنه كان يعتمد على باطن الشيء في التفسير والتأويل أي اللغة لا التأويل الظاهري.
خلاصة القول إن فلسفة ابن رشد فلسفة قائمة على
العقل والتأويل حيث استعمل القياس العقلي والنظر في الموجودات، كما خاطب رجال
الدين والعامة بسلاح التأويل