الظاهر في منطق الهوية






 

يجب أن تظهر الماهية. وظهورها وظهورها في ذاتها هو تنحيها من أجل المباشرة التي بوصفها انعكاسا على الذات، هو قوام (مادة) وشكل. والظهور هو التعين الذي بفضله لا تكون الماهية هي الوجود، وإنما الماهية والظهور في نموه يكونان الظاهر. ولهذا فإن الماهية ليست وراء الظاهرة، ولا عبرها، بل الوجود ظاهر لأن الماهية هي التي توجد والظاهر يحتوي على كل ثراء تعينات الوجود، ويقوم في مواجهة الذات بوصفه حدا مستقلا قائما برأسه لا يرد إلى شيء. والظاهر يقابل الماهية بوصفه بقية للوجود. وهذه البقية تؤكد نفسها تجاه الماهية على أنها آخر مستقل. لكن يظل الظاهر مثترنا بالماهية لأنه ظاهر الماهية

الفيسلوف الألماني هيجل يعبر عن هذه المعاني في علم المنطق' فيقول: الوجود هو ظاهر. ووجود الظاهر يقوم فقط في الوجود المرفوع للوجود، أي في عدميته، وهذه العدمية تكون له في ماهيته، وخارج عدميته، وخارج الماهية لأركان الظاهر، إن الظاهر هو النفي الموضوع بوصفه سالبا. والظاهر هو كل البقية التي بقيت بعد من نطاق الوجود. لكن يلوح أن لها أيضا جانبا مباشراً مستقلا عن الماهية، وهو غير لهذه الماهية بعامة. والغير يحتوي بوجه عام على كلتا لحظتي الآنية واللانية. ولما لم يعد للاماهية وجود، فإنه لا يبقى له من الآنية إلا اللحظة المحضة الآنية. والظاهر هو هذه اللآنية المباشرة، بحيث أن تعين الوجود ليس له الآنية إلا كعلاقة مباشرة مع شيئ آخر في لا آنيته، اللاذاتي الذي لا حقيقة له إلا في نفيه. فلا يبقى له إذن إلا التعين المحض للمباشرة، إنه مثل المباشرة الانعكاسية، أي التي لا تكون إلا بتوسط سلبها، والتي في مواجهة توسطها ليست إلا التعين الخاوي المباشر اللآنية. (علم المنطق)

والشكل المضمون متضايفان وفي هوية معا. ذلك لأنه في التقابل بين الشكل والمضمون ينبغي أن يلاحظ أن المضمون ليس عاريا عن الشكل، بل هو يتضمن الشكل في داخله، وإن كان هذا الشكل خارجاً عنه، وإن المضمون ليس إلا انقلاب الشكل إلى مضمون، وانقلاب المضمون إلى شكل. وهذا الانقلاب تعين في غاية الأهمية، لكنه لا يقع إلا في العلاقة المطلقة. والظاهر هو الانعكاس التأملي. الانعكاس التأملي الذي لا يزال ضمنيا؛ إنه الانعكاس الذي لحظاته المختلفة تكون كما لو كانت مركزة في وحدتها المباشرة. وهذه الحالة المباشرة للانعكاس تتناقض مع تصوره. وعليه أن يتخلص منها ويصير انعكاسا صريحا. ولحظاته المختلفة ينبغي أن يتميز بعضها من بعض، وأن تهب نفسها استقلالا نسبيا وأن تدخل في وحدتها، وحدتها الانعكاسية غير المباشرة.

والانعكاس التأملي المعين هو بوجه عام وحدة الانعكاس التأملي الواضع والانعكاس التأملي الخارجي.. والانعكاس الخارجي يبتدئ من الوجود المباشر، أما الانعكاس الواضع فيبتدئ من العدم. إن الانعكاس الخارجي الذي يصير معينا؛ يضع آخر، هو الماهية، محل الوجود المرفوع؛ والوضع يضع تعينه ولكن ليس محل شيء آخر؛ إذ ليس له افتراض سابق. ولهذا السبب فإنه ليس انعكاسا تاما معينا؛ فالتعين الذي يضعه هو تبعا لذلك مجرد شيء موضوع؛ إنه مباشر، لكنه ليس كمساو لذاته، بل بوصفه ينفي نفسه، وله رابطة مطلقة مع العود والذات؛ إنه فقط في الانعكاس في الذات، بيد أنه ليس هذا الانعكاس التأملي نفسه (علم المنطق).

والانعكاس التأملي، من حيث هو وضع، ليس له وجود مباشر. ذلك لأنه لا يوجد إلا فيما هو موضوع. أنه ليس إلا النفي الواقع عليه. وليس له مضمون خاص، وبالتالي على حقيقة واقعية، إلا من حيث هو ينفي سلبيته الخاصة، أو يرد إلى ماهو موضوع قواما مستقلا. هنالك يصبح انعكاسا مفترضا. والافتراض هو الوضع الذي ينفي ذاته بما هو كذلك. وهنا يحسن بنا لمزيد من الايضاح أن نشرح معنى الانعكاس التأملي (وعلى سبيل الاقتصار نقول احيانا :الانعكاس، ولكننا نقصد دائما الانعكاس التأملي) عند الفلاسفة المحدثين. أول من عني بدارسة الانعكاس التأملي من الفلاسفة المحدثين هو ليبتس 'وهو يعرف الانعكاس التأملي بأنه ليس شيئاً آخر إلا الانتباه الموجه إلى ما في باطن عقلنا. وفي إثره قال فولف" إن الانعكاس التأملي هو التوجه المتوالي للانتبهاه نحو ما هو متضمن في الشيئ المدرك. وعرف جون لوك' الانعكاس التأملي بأنه الفعل الباطن به العقل يكمل الإدراك الحسي للعالم الخارجي. فقال' إن الانعكاس التأملي هو وعي العقل بالعمليات التي يقوم بها وبأحوالها؛ وعلى هذا النحو تتكون في العقل أفكار هذه العمليات.

ثم جاء كانط' فعرف الانعكاس التأملي بأنه الوعي بالعلاقة بين بعض الامتثالات المعطاة وبين الينابيع المختلفة للوعي (نقد العقل المحض) ويميز بين الانعكاس التأملي المتعالي، وبين الانعكاس التأملي المنطقي :فالأول هو العملية التي بها يفحص هل العلاقة والرابطة بين عدة امتثالات ينبغي أن ترد إلى الذهن المحض أو إلى العيان الحسي الذي يولد تصورات الانعكاس التأملي (نقد العقل المحض) والثاني، أي الانعكاس التأملي المنطقي، هو مجرد مقارنة متعالية تحتوي على مبدأ امكانيات المقارنة الموضوعية بين الامتثالات بعضها وبعض (نقد العقل المحض). وكانط يسمى المقولات باسم:تصورات الانعكاس التأملي. - أما بالنسبة لهيجل فيرى أن الانعكاس التأملي هو الفعل الذي به الأنا، وهو يتخارج أولا من طبيعته ويدخل من جديد في ذاته، يصير واعيا بذاتيته في مواجهة الموضوعية التي تقابله. (راجع موسوعة العلوم الفلسفية لهيغل). والذي يحملنا على استعمال اللفظ : انعكاس هو الوجود الظاهر هو الانعكاس الماهية على الخارج، وأن الموجودات الخارجية ماهي إلا صور منعكسة في الخارج للماهية. وواضح ما هنا من مثالية محضة. وتحت باب الانعكاس التأملي يدرج هيجل ثلاثة موضوعات هي :الهوية، الاختلاف، الأساس.

من موسوعة فلسفية للمفكر عبدالرحمن بدوي

 بقلم عبدالعزيز الصغيار

تعليقات