العلو بالمعنى الفلسفي والديني، هو
الوجود في مكان أعلى من المحسوس، وأبعد من حدود ما هو معلوم، وأرفع من التجربة، و
يقابله المحايثة. وهو الوجود داخل العالم المحسوس، أو داخل المعنى، أو في نطاق
التجربة. والعالي بالمعنى الإيجابي يشير إلى كائن موجود، هو الله. والعلو يتضمن
معنى العلاء على، أي التفوق والسمو، والكمال. والعلو يفهم بمعنيين :معنى خاص
بنظرية المعرفة، ومعنى خاص بالميتافيزيقا.
- أولا - العلو في نظرية
المعرفة :ويقصد
به العلاقة بين الذات التي تعرف، وبين الموضوع الذي تسعى إلى معرفته. فالذات تحكم
على الموضوع بواسطة حقيقتها هي الخاصة بها. وهنا لا يكون العلو بمعنى السمو على،
بل مجرد خروج الذات عن ذاتها لإدراك ما ليس إياها والمشكلة هي: هل يوجد شيء خارج
العقل الواعي وجودا حقيقيا؟ أو كل شيئ هو من إبداع العقل العارف؟ - فالمذهب
الواقعي أو الواقعية يقرر وجود الشيئ، أو الموضوع خارج الذهن. أما المذهب النقدي
فيقول إن الشيء في ذاته غير قابل لأن يعرف. والمذهب المثالي أنكر وجود الشيء في
الخارج، ورد كل معرفة إلى الأنا، أي في الذات العارفة. وعند كانط :العلو معناه تجاوز كل
تجربة ممكنة. يقول كنت أريد
أن أسمي المبادئ التي ينحصر تطبيقها في داخل إطار التجربة الممكنة :محايثة، بينما
تلك التي تتجاوز هذا الإطار عالية (نقد العقل المحض) ومهمة الديالكيتك المتعالي هي الكشف عن الوهم
الظاهري للمبادئ العالية. والتصورات العالية هي كل التصورات الميتافيزيقية التي
مثل الله، النفس، خلود النفس، الخ. إن موضوعات المعرفة محايثة في التجربة، وهي
ظواهر ل"شيئ في ذاته" والعالي تصور حدي، لا يمكن معرفته، لأننا لا نملك
عيانا عقليا، ونحن في خطوات المعرفة نبقى دائما في داخل حدود التجربة الممكنة،
وإذن المعرفة العالية غير ممكنة.
- وفيتشه يفهم من العلو كل ما هو خارج الأنا، وكذلك فعل شلنج في
المرحلة الأولى من تطوره الفكري، إذ قال العلو هو الزعم أن من الممكن تجاوز الأنا.
وفي مقابل ذلك نجد فلاسفة يريغون إلى توكيد العالي والعلو لكن بمعنى آخر. فهينرش
ريكرت يقول إن موضوع المعرفة ليس الوجود العالي بل ما يجب أن يكون العالي، والذي
على المعرفة أن تتوجه نحوه.
- إن المرء لا يستطيع فقط أن يفكر فيه. فهو
معيار للتوكيد أو النفي فقط. و الأساس الأخير في كل وجود محايث يقوم فقط في مثل
أعلى عال، تحاول الذات تحقيقه. ويقول كليمنت" على الرغم من أن الدين ليس أبدا
في الواقع تجربة عالية لله، فإنه يوجد دائما في التجربة عنصر يمكن أن ننعته بأنه
الوعي بالعلو (الذات الإلهية
والحياة الإنسانية).
- ثانيا - العلو
الميتافزيقي: وعند هيدجر ويسبرز يتخذ العلو معنى ميتافزيقيا خاصا
يختلف عن معناه لدى سائر الفلاسفة السابقين. فهيدجر يفهم العلو بمعنيين :الوجود
عبر الذات للآنية، و الوجود من حيث هو مختلف وجوديا (انطولوجيا) عن الموجود، والمعنى الأول للعلو يعني
الوجود الباقي مع المضي، والمعنى الثاني يدل على العلو يدل على العلو بما هو علو. ويقول جان فال إن من الممكن
أن نميز عند هيدجر بين أربعة أنواع (أنماط) من العلو: علو الوجود على العدم - علو الموجود بالنسبة إلى العالم-علو العالم بالنسبة إلى الموجود
- علو الموجود في علاقته مع
ذاته، وذلك في الحركة التي بها يلقي بنفسه نحو المستقبل. وعلى نحو مشابه
يرى يسبرز أن التفلسف
هو علو على ثلاثة أنحاء : التوجه نحو العالم - إضاءة الوجود - الميتافيزيقا.
- والعلو لايمكن سبره، أي إدراك أعمق عمائقه لكن كل تفلسف يسعى
إلى الاقتراب منه. والعلو هو ما يكمل
الناقص ويعطيه معنى. والعلو هو الإحاطة المطلقة. والعلو في اللاهوت يقتصر على ما يتعلق
بالله، وقد اختلف الفلاسفة وعلماء الكلام في تحديد معنى العلو بالنسبة إلى الله.
فقال البعض إن معناه هو أن الله عال على الكون علوا مطلقا، وأن ثمة هوة بين الله
والكون، والله وحده هو الذي يستطيع عبور هذه الهوة. وقال آخرون :إن القول بالعلو
المطلق لله بالنسبة إلى العالم يضع موضع الخطر العلاقة بين الله والعالم، ولهذا رأى
أصحاب هذا القول إن من الواجب تصور جسر بين الله وبين العالم؛ وهذا الجسر يختلف
تصوره بحسب وجهة النظر إلى هذه العلاقة:هل تفهم بمعنى العلاقة بين الخالق و
مخلوقاته، أو العلاقة بين المبدأ الأول وبين مايصدر عنه (في نظرية الصدور عند أفلوطين ومن أخذ برأيه).
- وثم فريق ثالث، على رأسه اسبينوزا، يقول إن الله ليس عاليا على العالم، وإنما
هوة العلة المحايثة (الباطنة) لكل الأشياء؛ وبهذا القول يأخذ القائلون بوحدة
الوجود بمختلف أشكالها، خصوصا الصوفية، وعلى رأسهم الصوفية المسلمون. وقال ليبنتس
" إن علاقة الله بالعالم هي مثل علاقة المخترع بالآلة التي اخترعها، أو علاقة
الأمير الحاكم برعيته المحكومين منه، أو حتى علاقة الأب بأبنائة (مونادولوجيا).
(من
كتاب ملحق موسوعة فلسفية للدكتور عبد الرحمان بدوي).
الباحث عبد العزيز الصغيار